120 متراً تبقت للعائلة من مساحة 100 دونم وبوابة إلكترونية تقيّد حركتها

منزل «غريب».. «شوكة» عالقة بين فكي الجدار ومستوطنة «حدشاه»

صورة

كلما أراد الفلسطيني سعدات صبري غريب 38 عاماً من بلدة بيت إجزا في الشمال الغربي لمدينة القدس، الدخول إلى منزله أو الخروج منه، عليه أن يجتاز بوابة إلكترونية ضخمة وضعها الاحتلال على مدخل البيت بارتفاع ثمانية أمتار، والعبور عبر ممر ممتد من البوابة إلى البيت بمسافة 80 متراً، والمحاط بالأسلاك الشائكة والجدران الإسمنتية، ذلك الممر الذي يفصله عن بلدته، ويُشكل الحد الفاصل بين المنزل الفلسطيني ومستوطنة «جيفعون حدشاه» الملاصقة له.

وبالانتقال إلى داخل منزل عائلة غريب، فإن نوافذه تطل مباشرة على المستوطنة، فإذا أراد أطفال العائلة في كل مرة فتحها أو الوقوف على الشرفات تصدمهم مشاهد لا تغيب عن عيونهم، حيث منازل المستوطنين الملاصقة لبيتهم، والتي تحيط بالبيت من كل مكان، إلى جانب الجدار الفاصل الذي يلتف حول المنزل من جهة أخرى. وتجثم مستوطنة جيفعون حدشاه على أرض بلدة بيت إجزا، وعلى أجزاء من مساحة منزل عائلة غريب، بعد أن صادرها الاحتلال للتوسع الاستيطاني. ويقول الفلسطيني سعدات غريب لـ«الإمارات اليوم» بينما كان يقف في ساحة منزله أمام سلك المستوطنة الشائك «أعيش في البيت الذي ورثته عن والدي، أنا ووالدتي، وزوجتي وأطفالي الثلاثة في سجن حقيقي، حيث تحاصرنا مستوطنة جيفعون حدشاه والجدار العازل والأسلاك الشائكة من كل تجاه». ويضيف أن «نوافذ منزلنا تطل مباشرة على المستوطنة، حيث نسمع أصوات المستوطنين، ففي منتصف الليل إذا مر أحدهم نسمع صوت خطوات قدميه كأنها في المنزل، كما نشاهد ممارساتهم غير الأخلاقية وهم يقفون على شرفات البيوت التي يستوطنون بداخلها».

قيود

120 متراً هي المساحة المتبقية من منزل سعدات غريب من أرضه البالغة 101 دونم، التي ورثها عن والده، بعد أن ابتلعتها مستوطنة حدشاه، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل وضعوا بوابة إلكترونية صفراء اللون، يتحكمون من خلالها بحركة دخوله وخروجه إلى منزله، إضافة الى زيارة أهله وأقاربه له، وذلك بحسب الفلسطيني غريب. ويشير إلى أن الاحتلال يفرض العديد من القيود على زيارة أشقائه وشقيقاته والأقارب لمنزله في جميع الأوقات، حتى في الأعياد، حيث كان يشترط حصولهم على تنسيق وترخيص مسبق للدخول عبر البوابة المقتطعة من مساحة أرضه اصلاً. ويمضي غريب بالقول «اعترضنا على هذا القرار الظالم، ورفضناه، وباتت زيارة الأقارب اليوم مرهونة بالتدقيق في بطاقات الهوية الشخصية، والتفتيش، والانتظار لساعات حتى يسمح لهم بالدخول، وهذا ما حدث مع أشقائي وشقيقاتي وكل قريب أتى لزيارة والدتي في منزلنا خلال عيد الفطر المبارك هذا العام».

حكاية المنزل المسلوب

منزل غريب المسلوب ومستوطنة حدشاه، حكاية طويلة ممتدة إلى أكثر من 41 عاماً، بدأ أول فصولها عام 1979، عندما حاول اليهود شراء المنزل. ويروي سعدات غريب حكاية الاستيلاء على منزله «في عام 1978 شيد والدي منزلنا في أرضه التي ورثها عن جدي، وبعد عام بدأت أطماع الاحتلال والمستوطنين للاستيلاء عليه، فقد حضرت إلى المنزل مستوطنة يهودية اسمها (راحيل)، مصطحبة معها حقيبة أموال، وعرضت على والدي شراء بيته مقابل مبلغ مالي كبير، ولكن رده كان الرفض، وحاولت مراراً التحايل عليه حيث طلبت منه في بعض المرات، لو تحصل فقط على 100 متر للسكن فيها مع ابنتها الوحيدة». ويتابع غريب قوله «بعد أن رفض والدي كل الإغراءات للاستيلاء على منزله، بدأ المستوطنون بالعديد من المحاولات للاستيلاء على المنزل، حيث وضعوا أسلاكاً شائكة بجواره. ومنذ تلك الفترة خاضت العائلة معركة قانونية في أروقة المحاكم الإسرائيلية، لمنع استيلاء المستوطنين على منزلهم وأرضهم وتمكنوا من الحصول على قرار يقضي بذلك، ولكن في عام 1994 بعد اتفاق أوسلو تجمد القرار، وكأنه لم يصدر من قبل، ليضع المستوطنون حجر الأساس للمستوطنة على الجزء الأكبر من أرض ومنزل عائلة غريب، إضافة إلى الاستيلاء على مساحة 40 دونما من أراضي الفلسطينيين في بلدة بيت إجزا، أقيمت المستوطنة على قمة تلالها».

بوابة إلكترونية

ويكمل سعدات فصول حكاية معاناته، حيث يقول «في عام 2008 وضع الاحتلال البوابة الإلكترونية على مدخل بيتنا، واستقطع 80 متراً من مساحته، ليكون بمثابة ممر أمني يراقب من خلاله حركتنا أثناء دخولنا وخروجنا، حيث وضعت 12 كاميرا مراقبة على البوابة وعلى طول مسافة الممر». ويضيف «بداية إقامة البوابة أغلقها الاحتلال بشكل كامل على مدار ثلاثة أشهر متواصلة، ومنعنا من الخروج من منزلنا، وعندما كنا نحتاج لنقل والدي إلى المستشفى، أو شراء الاحتياجات الضرورية نهاتف الصليب الأحمر الدولي، وجهاز الارتباط الفلسطيني، لإجراء تنسيق مع قوات الاحتلال للسماح لنا بالتنقل، وكان يستغرق ذلك أكثر من ثلاث ساعات».

معاناة ومضايقات

لم يكتفِ المستوطنون بالاستيلاء على أرض عائلة غريب، ومحاصرتهم داخل منزلهم، إذ إن المستوطنة تلاصق بيت العائلة الفلسطينية، وتتجاوز حرمته، إلى جانب الاعتداءات المتكررة ضد العائلة وأطفالها، ومنعهم من اللعب وممارسة حياتهم اليومية، وتقييد حركتهم حتى داخل حدود بيتهم، لإجبارهم على تركه، وسهولة السيطرة عليه، وهذا ما رفضه صاحب المنزل صبري غريب قبل وفاته، وما يصرّ عليه ابنه سعدات.

مضايقات

ويقول الفلسطيني غريب «يستوطن بجانبنا عشرات المستوطنين من اليهود المتدينين الذين يمارسون ضدنا العديد من المضايقات، ففي الأعياد اليهودية يصدرون أصواتاً مزعجة عبر مكبرات الصوت، وفي الوقت ذاته يمنعون صوت الأذان وقراءة القرآن». ويلفت إلى أنه يتعرض هو وعائلته لمختلف أشكال المضايقات والاعتداءات، من رشق الحجارة، وإطلاق الرصاص، والاعتداء بالشتائم، إلى جانب منع أطفاله من التواجد في ساحة المنزل واللعب فيها.

من جهة أخرى، يقول غريب «منذ بداية انتشار فيروس كورونا اتخذنا الإجراءات الاحترازية لوقاية أنفسنا من احتمال الإصابة، إذ إن المستوطنات تعد بوابة رئيسة لانتقال العدوى، خصوصاً أن الاحتلال يقيم مكباً للنفايات فوق أرضنا وبجوار منزلنا، حيث وضعت شريطاً من القماش على نوافذ المنزل كافة، وارتدينا الكمامات الطبية، بالإضافة إلى تعقيم النوافذ والسياج الشائك الذي يفصلنا عن المستوطنة بشكل يومي». ويضيف «كل ما ارتكبه المستوطنون من سرقة أرضنا، وإقامة المستوطنة عليها، هو غصة تعتصر قلوبنا في كل لحظة، ولكن أن يصادروا 60 متراً من مساحة أرض منزلنا لإقامة مكب نفايات لهم فهذا لا يصدقه عقل، فالمكب فوق أرضنا المسلوبة، ويلاصق منزلنا، ونحن أكثر المتضررين منه».


سعدات غريب: حضرت إلى منزلنا مستوطنة يهودية اسمها «راحيل»، مصطحبة معها حقيبة أموال، وعرضت على والدي شراء بيته مقابل مبلغ مالي كبير، ولكن رده كان الرفض.

كل ما ارتكبه المستوطنون هو غصة تعتصر قلوبنا في كل لحظة، ولكن أن يصادروا 60 متراً من مساحة أرض منزلنا لإقامة مكب نفايات لهم فهذا لا يصدقه عقل.

تويتر