No Script

عميان قهروا الظلام

اليمني عبد الله البردوني... الشاعر الكفيف / 30

تصغير
تكبير
| القاهرة - من مختار محمود |
أن يفجع المرء بناظريه فيرتد ضريرا... بعد أن كان بصيرا، وأن يغلق عليه «العمى» سراديبه الموحشة... فهذا ابتلاء ينوء بفظاعته صناديد الرجال.
وإن كان هناك من يستشعر في نفسه براكين الغضب، ويشعر أن حياته صارت مؤجلة أو بلا قيمة... فهناك أيضا من لا يرفع الراية البيضاء، أو يعلن الاستسلام أو يخشى المواجهة، بل يرى أنه في حرب ضروس يجب أن يحسمها لنفسه في النهاية، حتى يخرج منها مظفرا منتصرا.
ولكن أين لمثل هذا الإنسان... الذي سُلب بصره... فلم يعد يرى إلا ظلاما. تلك القوة التي تصدُّ عنه رياح اليأس الهوجاء التي تعوي وتدوي وتصفّر، وتشن هجماتها الشرسة عليه، محاولة دك معاقل توازنه، وإلقاءه في الهوة السحيقة، هوة الضياع والقنوط وعدم الرضا عما كتبته له الأقدار؟
تلك القوة... سنلمسها عن قرب في 15 شخصية... ابتلاهم الله بالعمى، ولكنهم تغلبوا على محنتهم، وقهروها، وتألقوا وأبدعوا في مجالات مختلفة، وحققوا شهرة طاغية، أبقتهم في ذاكرة التاريخ، وستبقيهم عقودا وقرونا مُثلا عُليا في الإرادة والصمود والصبر وتجاوز أقصى العقبات وأعنفها.
من أجل ذلك... فإن مسلسل صحافي يتناول «عميان قهروا الظلام»... ليس للتسلية... بل قد يكون دروسا عملية في القوة والتحدي والإرادة وعدم الخضوع والخنوع والإقبال على الحياة، مهما اعترضتنا من رياح عاتية وعواصف عنيفة وبراكين غاضبة.
أبطال هذه الحلقات... أبطال حقيقيون... جديرون بالخلود والتقدير والثناء المستمر، لأنهم صنعوا ما يراه المبصرون إعجازا ومستحيلا.
فمن يتخيل أن يصير الكفيف مصورا بارعا، يقيم المعارض، ويحصد الجوائز، ويحاضر في كبريات الجامعات؟
وكيف للعقل أن يقتنع بأن كفيفا يغدو رساما مشهورا، تتفوق أعماله على أقرانه ممن لم يحرموا نعمة البصر؟
ولكن هناك بالفعل من فعلوا ذلك وأكثر... فحين يعزف المأسور حبيس الإعاقة على أوتار الروح الوثابة العصيّة على الاندحار تنسال ألحانه دررا من سحر الإيقاع، تنتشي لها النفوس الظمأى
ومن لوعة الحرمان وتباريح العاهة... ينبجس التصميم على المواجهة ومن حلكة الظلمات... يُشرق مهرجان الإبداع والتألق والتوهج.
هكذا فعل أبطال تلك الحلقات... أبوالعلاء المعري وهيلين كيلر ونزيه رزق وإسماعيل المسعودي... وغيرهم.
ولكن المحزن حقا... أن أعداد العميان على مستوى العالم في اطراد... ولم يتوصل العلم الحديث - حتى الآن - إلى الوسائل التي تمكنه من مواجهة العمى... حيث يعاني 37 مليون شخص من العمى و124 مليونا من ضعف البصر، وسيصبح عدد العميان في العالم بعد 12 عاما 75 مليونا... وهو ما يتطلب تضافر جميع الجهات المعنية، ومنها - منظمة الصحة العالمية - من أجل حشد المزيد من الجهود في سبيل الوقاية من العمى... وفي السطور التالية... حكايات إبداع وتألق... وانتصارات عبرت الانكسارات.
الشاعر اليمني الكبير عبد الله البردوني... يعد بحق... إحدى العلامات الشعرية والثورية في تاريخ بلاده - استطاع بدأبه وإصراره وصموده وإيمانه بقضيته أن يحفر في ذاكرة وطنه اسمه بأحرف من نور... بالرغم من أنه ممن فقدوا نعمة البصر في سنوات حياتهم الأولى، فقد فجع بناظريه فارتد ضريرا وهو ابن «5» أعوام، بعدما كان بصيرا، وأغلقت عليه عاهة العمى سردابها الوحشي، ولكنه لم ييأس ولم يستسلم ولم يندب حظه التعيس، بل قاوم ظلمات العمى بأغوار البصيرة ومصابيح العقل التي لم تتعطل يوما.
وحين يعزف المأسور حبيس الإعاقة... على أوتار الروح الوثابة العصية على الاندحار، تنثال ألحانه دررا من سحر الإيقاع، تنتشي لها النفوس الظمأى... فمن لوعة الحرمان وبتاريخ العاهة... ينبجس التعميم على المواجهة... ومن حلكة الظلمات أشرق مهرجان من الإبداع والإرادة الفولاذية تحت جوانح البردوني، فقهر عجزه ولم يعره يوما اهتماما.
البداية... وبردون
ولد عبد الله البردوني في العام 1348هـ، في قرية البردون في اليمن، من أبوين فلاحين، أصيب بالعمى بسبب الجدري، عندما كان في الخامسة من عمره، وأسعفته الظروف بالدراسة في مدارس «زمار» لمدة 10 أعوام ثم انتقل إلى صنعاء، حيث أكمل دراسته في دار العلوم، ثم عين أستاذا للآداب العربية.
تجارب حزينة
عاش البردوني بين الفلاحين... حرم من أمه صغيرا، وأخفق في حبه إخفاقا مؤلما، ولذا خرج شعره وفيه مسحة من الحزن الكئيب، كما أن فقد بصره جعله يؤثر الصورة المسموعة، أو الصوتية على الصورة المنظورة أو المرئية، ومولده ونشأته في بيئة فقيرة كادحة محرومة طبع شعره الغزير والمتنوع بطابع العطف والحنان الشديد على الفقراء المعدومين والمعدمين من أمثاله، فهو شديد الإحساس بشقائهم.
وكذلك نجده يلمح في ديوانه إلى التناقض الطبقي، وحمل على ترف القصور الذي بُني على استنزاف جهد الكادحين، وحرمانه القلب المحب كان سببا لنبوغه.
وحدة بلاده
وفي شعره الوطني... نلمس تعبيرا عن إيمانه العميق بوحدة اليمن الطبيعية وبالوحدة العربية، ونجد لديه ظلالا لقضية فلسطين، وذلك كله بوشاح من الأسى والحزن، مع سلاسة وعذوبة في وجدانياته وجزالة في حماسته ووطنياته.
وكما يقول أحمد قنبش... في كتابه «تاريخ الشعر العربي الحديث»... فإن البردوني يحسن رسم الصور وابتكارها، وكان مولعا بالإيحاء والرمزية وتشخيص التجريدات... فللفجر شفاه، وللمروج صدور، وللربى أجفان وللربيع قلب.
شاعر اليمن الكبير
في شهر سبتمبر 2002 ... احتفت مجلة الكويت الثقافية الشهرية بالبردوني وكتبت عنه: «البردوني شاعر اليمن... شاعر ينتمي إلى كوكبة من الشعراء، الذين مثلت رؤاهم الجمالية حبل خلاص، لا لشعوبهم فقط، بل لأمتهم أيضا، عاش حياته مناضلا ضد الرجعية والديكتاتورية، وجميع أشكال القهر ببصيرة النور، الذي يريد وطنه والعالم كما ينبغي أن يكون.
وبدأب المثقف الجذري الذي ربط مصيره الشخصي بمستقبل الوطن، فأحب وطنه بطريقته الخاصة، رافضا أن يعلمه أحد كيف يحب.
لم يكن يرى الوجوه... فلا يعرف إذا غضب منه الغاضبون، لذلك كانوا يتميزون في حضرته غيظا، وهو يرشقهم بعباراته الساخرة، لسان حاله يقول:«كيف لأحد أن يفهم حبا من نوع خاص، حب من لم يَر لمن لا يرى».
وأضافت:«والبردوني المولود في قرية البردون شرق مدينة زمار في العام 1928 ... فقد بصره في الخامسة من عمره، وهو شاعر حديث، سرعان ما تخلص من أصوات الآخرين، وصفا صوته عذبا، شهده فيه تجديد أو تجاوز للتقليد في لغته وبنيته وموضوعاته حتى قيل: هناك شعر تقليدي، وشعر حديث، وشعر البردوني، أحب الناس وخصّ بحبه أهل اليمن، وهو صاحب نظرة صوفية في حبهم ومعاشرتهم، إذ يحرص على لقائهم بشوشا طاويا، ما في قلبه من ألم ومعاناة، ويذهب إلى عزلته ذاهلا مذعورا قلقا من كل شيء، لا يكف عن السؤال... حتى سُمي شاعر الأسئلة.
البردوني... إذ يقحم نفسه في هموم الناس ومعاناتهم ينفرد على نفسه بهمه العظيم... يكاد لا يسمع أنينه أحد.
لكنه كلما وجد فرصة ليقف مع اليمنى الفقير القانع بحياته تقدم من دون تردد ودافع عنه وقال:
وأنا أكدى الورى عيشا على
أنني أبكي لبلوى كل مكد
حين يشقى الناس أشقى معهم.
وأنا أشقى كما يشقون وحدي
من هذا الحب... تناسى الشاعر نفسه وهمومه، وحمل هموم الناس.
وتابعت المجلة:«دخل البردوني بفكره المستقل إلى الساحة السياسية اليمنية، وهو المسجون في بداياته بسبب شعره، والمبعد عن منصب مدير إذاعة صنعاء، والمجاهر بآرائه عارفا ما تسبب له من متاعب:
يمانيون في المنفى
ومنقبون في اليمن
جنوبيون في صنعا
شماليون في عدن
خطى أكتوبر انقلبت
حزيرانية الكفن
فمن مستعمر غاز
إلى مستعمر وطني
إبداعات البردوني
للبردوني أعمال أدبية متنوعة ديوانه الأول صدر العام 1961 في القاهرة بعنوان «من أرض بلقيس»... ثم أصدر بعده «في طريق الفجر» و«مدينة الغد» و«زمان بلا نوعية»، وتقلد الشاعر أوسمة كثيرة كوسام الأدب والفنون في عدن وحصل على جوائز أديبة رفيعة كجائزة مهرجان أبي تمام بالموصل في العراق وجائزة شوقي وحافظ في القاهرة، وفي العام 1982 أصدرت الأمم المتحدة عملة فضية عليها صورته كمعاق تجاوز العجز.
وترك البردوني دراسات كثيرة، وأعمالا لم تنشر بعد، أهمها السيرة الذاتية، البردوني موسيقار عاشق، في أشعاره، لحن قصيدته العمودية على إيقاعات البحور المشهورة «كالبسيط والخفيف والرمل والمتقارب والكامل والطويل والسريع والمتدارك» وبعض المجزوءات،
وأدخل الموسيقى إلى شعره عن طريق الحوار، والسؤال - حيث يتوارى صوت الأنا المفرد ويظهر الصوت والصوت الآخر، فيعلو الجرس الدرامي ويخفق الحس الغنائي ويتم التعبير بالحوار والمقابلة عما كان سيقرر.
ويطرح دون جدال يرفعه هو إلى درجة تسمح للقارئ الفضولي بالتجسس على الشعر في حس سريالي مبكر - مبتكر يتجنب المباشرة في الخطاب مع المتلقي، كما شاع في شعره التكرار المتعلق بصوت القافية أو الحروف المتشابهة أو أسلوب رد الإعجاز على الصدور، فوصل إلى موسيقى الكلمة الداخلية قبل السعي إلى الموسيقى الظاهرة والخارجية كما في قصيدته الفاتح الأعزل التي يفتتحها بقوله:
ساه... في مقعده المهمل: كسؤال ينسى أن يُسأل
ويختتمها بقوله:
فيعود بشكل ما ألغي... أو يمضي يمحو ما شكل
موسيقاه الشعرية
وصف الدكتور سالم عباس خدادة... موسيقى البرودني بأنها نهر متدفق حينا وبحر صاخب حينا آخر حمل في كلا الحالين سفائن شعره والمرأة حاضرة بقوة ثم غائبة في شعر العاشق الكفيف في مجموعته الأولى «من أرض بلقيس» بلغ عدد القصائد التي يمكن إرجاعها إلى علاقة الشاعر بالمرأة «30» قصيدة من أصل «54» قصيدة موزعة على «8» دواوين، كتبها الشاعر في حياته.
وثاني قصائده في المجموعة الثانية في طريق الفجر، 10 قصائد في مدينة الغد، 5 في «لعيني أم بلقيس»... قصيدتان في السفر إلى الأيام الخضر... قصيدة واحدة في وجوه دخانية في مرايا الليل... قصيدتان في ترجمة رملية لأعراس الغبار.
ولا توجد أي قصيدة غزلية في المجموعة الأخيرة ...كائنات الشوق الآخر... في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الاثنين 30 أغسطس، وفي آخر سفرات الشاعر إلى الأردن للعلاج توقف قلبه عن الخفقان بعد أن خلد اسمه كواحد من شعراء العربية في القرن العشرين... سخر البردوني من الحياة فكانت حياته في خطر، وحين عرض عليه الرئيس اليمني حراسة الدولة قال له : أنديرا غاندي قتلها حراسها، وحين شكته جماعات غاضبة إلى القاضي عبدالرحمن الإرياني قال لهم وله: ليس على الأعمى حرج.
بصيرة نافذة
وفي دراسة أكاديمية هادفة لسبر أغوار الشاعر عبد الله البردوني... قال الدكتور وليد مشوح: إن كان الشاعر فقد بصره، فإنه كان يلتمس الواقع من خلال بصيرته النافذة في أعماق الجنس البشري، وذلك باعتماده على حواسه المرهفة، التي استطاعت أن تتعرف على الواقع، وأن تتوغل في تفصيلاته، حيث اختار المؤلف المنهج النفسي لدراسته النقدية، مصرحا بالأعباء التي تثقل كاهل أي دارس أكاديمي أو متابع لمسيرة التطور الشعري عند البردوني من خلال المشايعين والمناهضين.
مضيفا: لم يكن البرودني وحده الأديب الذي أصيب بالعمى وأبدع، فقد سبقه كثير من المبدعين العرب كـ «بشار بن برد وطه حسين وأبو العلاء المعري»، وكانت لهم بصماتهم في مدار الأدب النوعي، ولكن البردوني كان يحمل السمات النفسية، حيث كان مشاكسا وثائرا وأحيانا مهادنا ومصورا بارعا لبيئته، وما يختلج فيها من صراعات وعادات وتقاليد... عندما سئل البردوني عن كيفية إحساسه بالجمال... قال: ليس هناك حس بالجمال المفصول عن الدمامة، وإنما هناك معرفة اختلاف الجميل عن نقيضه، إذ لا يتجلى وجه الجمال إلا إلى جانب وجهه النقيض... فالنور في شعر البردوني... هو السيد الحاكم، وهو الذي يلوّن أحاسيسه، وينمقها ليطل من خلالها على الحياة، التي يعكسها بأصباغ روحه وفكره.
ومن الصور الجميلة التي لها دلالة بالنور من خلال خياله ماديا وحسيا، إذ يرى الزهر يحتضن الشعاع، كما تحتضن أم طفلها وتقبله:
الفجر يصبو في السفوح وفي الرّبا
والروض يرتشف الندى ويغرّد
في مهرجان النور لاح على الملا
عيد يبلوره السنا ويورد
امتاز البردوني بذاكرة عقلية، موضوعها المعاني والأفكار والصور اللفظية حيث تشكلت شخصيته... وووضحت سماته ومعالمه... استنادا إلى إمكاناته الذهنية، لقد استطاع أن يخلق صلة بينه وبين المحيط الذي يعايشه، فكانت ألوانه سماعية وحروفه صوتية.
خصوصية بردونية
لقد كانت لقصصه الشعرية خصوصية بردونية بحتة يشعرها ويتحسسها قارىء شعره او أي ناقد متخصص في صناعة معيارية دقيقة، لتحليل الشعر استنادا إلى المنهج النفسي أو التاريخي... وشاعر مثل البردوني يمتلك ذاكرة خصبة يستطيع أن يقدّم لوحة شعرية يرسمها من خلال مشاعره الجياشة يقول:
في هجعة الليل المخيف الشاتي
والجو يحلم بالصباح الآتي
والريح كالمحموم تهذى والدجى
في الأفق أشباح من الإنصات
في ذلك الليل المخيف عض فتى
قلق الثياب مروع الخطوات
شخصية متفردة
لقد آمن البردوني من خلال مجالسه ومقولاته الصحافية، وفي السوامر والمقابلات التي أجريت معه في صحف ومجلات ودوريات الوطن العربي بضرورة تفرد الأديب بشخصيته لأن التاريخ يأخذ مساره من الاجتماعية إلى الفردية، وكان البردوني مؤمنا بارتباطه بواقعه الاجتماعي.
إن الهدوء مطلب روحي من مطالب الكفيف... والكفيف هنا شاعر يحب أن يؤثر الصمت أكثر من الهدوء ثم يعود إلى عملية التأمل والاستغراق، حيث يفلح في تصوير نفسه من خلال معان ترصد شخصيته وسلوكه وتصرفاته بقوله:
سهدت فأصابني جميل سهادي
فأهرقت في النسيان كأس رقادي
وسامرت في جفن السهاد سرائر
لطافا كذكرى من عهود وداد
ونادمت وحي الفن أحد...رحيقه
وأحسو وقلبي في الجواغ صاد
رؤية خاصة للموت
وللبردوني نظرة فلسفية فيما يخص الموت، وهو القدر المحتوم على البشرية... لقد أصيب بالجدري وهو طفل، وكان يسير هائما في شوارع صنعاء لا يدري متى تدهسه سيارة أو تطأ جسده بهيمة، لذلك تعامل مع مقابلة الموت على طريقة الشاعر الذي يعي الوجود دنيويا وأخرويا.
لقد كان البردوني أسير الواقع الحرفي المباشر، يرتدي رداء شفافا من الرومانسية، وكان على رأس هذه المدرسة الرومانسية حيث جسد الواقع اليمني الراهن بل يكاد ينطبق من خلال هذه التهويمة الرومانسية: متى كفني هنا وتبكي على كل شيء لا يستحق اهتماما.
إن الشاعر رغم فقدان بصره فإنه يستطيع أن يتلاعب بالمفردات وينشئ حوارياته الشعرية التي تصل إلى مستويات مختلفة، مسرحية أو تمثيلية, أو مسلسلة مسموعة:
من أنت واستبقت جوابي
لهب يجن إلى التهاب
من أنت عزاف الأسى
والنار قيثار العذاب
وعلى جبينك قصة
حيرى كديجور اليباب
إن بعض المحسنات البديعية والأساليب البيانية التي أسرف فيها الشاعر وكذلك الجمع بين المتناقضات، قد أكدت حيوية صوره الشعرية وقدرته على إعادة تخصيب تربته الشعرية بعد أن أحدث علاقة مع الألفاظ من خلال رؤيته الشعرية وفلسفته ونظرته للحياة.
بؤس وشقاء
في نوفمبر العام 2000 ... أجرت مجلة «العربي» حوارا مع عبد الله البردوني... وكتبت في مقدمته: ربما يمثل هذا الحوار الوصية لشاعر عرف عن الحياة بؤسها أكثر مما عرف من مجدها وزهوها، فهذا الأعمى الذي رأى كل شيء... حول ظلمته إلى عالم أسطوري حافل بالرؤى والنبوءات.
لقد عاش البردوني في اليمن - مهد اللسان العربي وموطن بلاغته - لذلك فقد كان شعره تعبيرا عن وعي جمعي متراكم من أجيال من الشعراء العرب، هاجروا مع قبائلهم من مأرب، واستقروا في صحراء العرب، حتى جاءت رسالة البعث الإسلامي، فحملوها إلى كل مكان.
ويوصف البردوني بأنه آخر الشعراء العرب الكلاسيكيين الكبار، وأبرز المتميزين في كتابة القصيدة العمودية، وله 12 ديوانا، صدر أولها في العام 1961، وله 8 كتب تتناول تاريخ اليمن المعاصر السياسي والثقافي والاجتماعي.
وكان الحوار... أجري معه قبل وفاته بـ 10 أيام، حيث وافته المنية في 30 أغسطس 1999 عن 71 عاما.
وقال البردوني في إجاباته:«إن العمى أصابني وأنا ابن 5 أعوام... وما عميت إلا وقد كانت عندي دراية بالحركة... أين أصعد إذا كانت أمامي صخرة، وكيف أنزل من الصخرة... فبقيت في ذاكرتي تلك الأماكن التي كنت أروح وأغدو منها وإليها... وسرعان ما أتممت حفظ كتاب الله».
أمواج متلاطمة
واعترف بأنه كان من أسرة فقيرة جدا، وكانت تشعره بأن إعالته هم ثقيل عليها، وكان ذووه يمطرونه بكلمات رديئة... تزيده إحباطا وبؤسا.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي