عادي

عبد الله البردوني.. الشعر موسيقى القلب

19:26 مساء
قراءة 4 دقائق
د.شهاب غانم - غلاف الكتاب

الشارقة: عثمان حسن
«عبد الله البردوني.. حياته ومختارات من شعره» للشاعر والمترجم الإماراتي الدكتور شهاب غانم، هو أحد المؤلفات المهمة التي ترصد التجربة الشعرية المتفردة للشاعر اليمني عبدالله البردوني، بوصفه أحد رموز القصيدة الكلاسيكية (العمودية)، والكتاب يتلمس أهم الأسباب التي أوصلت البردوني إلى مكانة شعرية وأدبية يستحقها، بما أنتجه دواوين وقصائد ذات خصوصية لافتة شكلاً ومعنى.

جاء الكتاب في 115 صفحة / قطع متوسط، وصدر عن منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، واشتمل على مقدمة وثلاثة أبواب رئيسية هي: الأول: نشأته وحياته، والثاني: المشهد الشعري في اليمن قبيل البردوني، والثالث: شعر البردوني.. وفي هذا الباب الذي استحوذ على معظم مادة الكتاب درس د. شهاب غانم بدايات البردوني والمكونات الأولى لشعريته، وتأثير العمى عليه، كما درس ثلاث مراحل أثّرت في مسيرة البردوني الشعرية وهي: (المرحلة الاتّباعية) و (مرحلة التوهّج الشعري) و (مرحلة الأسلوب المتفرد والتجريب).

في مقدمة الكتاب يقول د. غانم: «كأن القرن العشرين لم يشأ أن يرحل إلا وقد أخذ معه كبار شعراء القصيدة العمودية؛ فرحل في أواخر ذلك القرن محمد مهدي الجواهري ونزار قباني ثم رحل البردوني يوم 30 أغسطس / آب 1999، وإذا كان نزار قد كتب قصيدة التفعيلة إلى جانب العمودية وأجاد الشكلين معاً، فإن الجواهري والبردوني أخلصا للشكل العمودي في كل نتاجهما الشعري طوال حياتيهما، وظل أنصار القصيدة العمودية والمتعصّبون لهما يشيرون إلى هذين الاسمين كنموذجين على مقدرة القصيدة العمودية على التعبير عن هموم العصر بكفاءة».

أبرز الكتاب الكثير من الشهادات التي صدرت عن رموز أدبية وشعرية عربية أشادت بتجربة عبدالله البردوني وأنصفت هذه التجربة في سياق ما حملته خصوصية مؤثرة في المشهد الشعري اليمني بخاصة والعربي بشكل عام.

* تجربة خاصة

يطرح د. غانم في كتابه الكثير من الأسئلة في صلتها بما صدر عن البردوني من قصائد معبّرة عن هموم شعبه وأمته، ومنها: هل نجح البردوني حقاً في تطويع القصيدة البيتية للتعبير عن خلجات قلبه وهموم شعبه وأمته؟، ويجيب: «ربما كان من السهل على محبّي شعر البردوني والمعجبين به بأن يجيبوا عن هذا السؤال بالإيجاب متّكئين على الشهادات الشعرية الكثيرة التي نالها، فقد حصل على جائزة العويس للشعر عام 1993، وحصل قبل ذلك على وسام الآداب والفنون من عدن عام 1982، وأصدرت مؤسسة ثقافية عالمية بوزن اليونسكو عملة فضية عليها صورته عام 1982 تكريماً له كمعوق تجاوز العجز واستطاع بالجد والمثابرة على مواصلة التعليم والتأليف شعراً ونثراً وإذاعة، كما استُضيف في المهرجانات الشعرية المهمة، وكتبت عن إنجازاته الكثير من الكتب والرسائل الأكاديمية، وكُرّم في مناسبات أدبية وثقافية كثيرة».

يشير غانم تحت باب «شعر البردوني» إلى ما سبق ونشر في مجلة المنتدى (العدد 126، يناير 1994) حين سألت المجلة البردوني كيف يجد نفسه، ما بين أول وآخر قصيدة كتبها؟ وكيف يجد نفسه من ناحية تطور تجربته الشعرية؟ فأجاب بقوله: «أجد أن هناك في التجارب الأولى خطرات شكلت أساسيات فني الأولي، وهي بالضرورة قد تطورت واتسعت، ولكن هذه الخطرات لا تزال هي الجذور الأساسية في أرومتي التكوينية».

ويستكمل البردوني إجابته بالإشارة إلى 5 مراحل جسدت تطور مسيرته الشعرية بدأت من منتصف الخمسينيات إلى أوائل الستينيات، مروراً بمنتصف السبعينيات، وبدايات منتصف الثمانينيات، ثم المرحلة الأخيرة التي كان البردوني يعيشها، لكنه أكد أن فترة الستينيات كانت أكثر فترات توهّجه الشعري.

* تفرد

في استعراضه لمرحلة التفرد الشعري عند البردوني، يضيء د. شهاب غانم على كثير من ملامح هذا التفرد في عدد لا يُحصى من القصائد التي كتبها البردوني من منتصف السبعينيات حتى وفاته، ويؤكد أن هذه المرحلة قد اتسمت بطغيان الفكرة التي كثيرا ما يعبر عنها البردوني بنزعة سريالية، ولكنه يظل قريبا من الموضوع الذي يعالجه، وبعيدا عن الغموض الذي كثيرا ما نجده في شعر الحداثة، كما يلاحظ د. غانم مدى توسع البردوني في استحداث الصور الجديدة، وفي استعمال اللغة اليومية العادية التي يغلب عليها الحوار، كما يلاحظ مدى تأثره بالشعر الحديث وخصوصاً شعر التفعيلة كما في قصيدته «سندباد»، وفي موضع آخر يضيء د. غانم على جانب آخر من فرادته الشعرية في تناوله للموضوعات الوطنية التي تشغل هموم الشاعر، وهي قضايا تخلّف الوطن وفقره وما يعانيه من مشاكل اجتماعية كثيرة، وما تبع ذلك من انشغال البردوني بالمعنى على حساب أناقة العبارة وكأنه يوجّه حديثه لرجل الشارع العادي، أو كأنه يكتب شعراً شعبياً بلغة الحوار العادي، وإن كان يحافظ على قواعد اللغة، كما في قصيدته «تحولات أعشاب الرماد»، ويواصل غانم دراسة هذه التجربة من خلال تسليطه الضوء على تقنيات القصيدة، واهتمام البردوني بتشكيل قصيدة مميزة من حيث الشكل ومن حيث موضوعها الذي يتجاوز المحلي والوطني إلى القضايا الوطنية والعروبية والقومية.

في باب مختارات شعرية، ينتقي د. غانم الكثير من القصائد التي كتبها البردوني في أغراض ومناسبات اجتماعية وسياسية وثقافية كثيرة، كما في قصيدته «من أرض بلقيس» ويقول فيها:

من أرض بلقيس هذا اللحن والوتر

من جوها هذه الأنسام والسحر

من صدرها هذه الآهات. من فمها

هذي اللحون. ومن تاريخها الذكر

من «السعيدة» هذي الأغنيات ومن

ظلالها هذه الأطياف والصور.

* فقدان البصر

يستعرض الكتاب تأثير العمى على التجربة الإبداعية عند البردوني، فحرمان البردوني من نعمة البصر في طفولته، قد أدى إلى نمو حاسة السمع والحواس الأخرى عنده، فكان كما عبّر عبدالله البردوني نفسه في أحد اللقاءات مع تلفزيون الكويت: «إنه كان شديد الإحساس بالأصوات الريفية كخرير الجداول، وحفيف الأشجار، وثغاء الخرفان».. وفقدان البصر بحسب هلال ناجي في كتابه (شعراء اليمن المعاصرون ص 74) جعل الشاعر يؤثر الصور المسموعة أو الصوتية على الصور المنظورة أو المرئية، كما هو في كثير من قصائد ديوانه «من أرض بلقيس».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/57ufkdd2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"