جنوب إفريقي يهوى الاقتراب من خطر الحيوانات

يقول أنها لا تتخلى عن طباعها رغم ترويضها
07:08 صباحا
قراءة 5 دقائق
العلاقة بين الإنسان والحيوان قديمة قدم التاريخ، لكنها دائماً تحاط بالغموض، فمنا من لا يحب الحيوانات، وربما يخافها ولايحتمل حتى مجرد رؤيتها، ومنا من يرى أنها مصدر للأمراض فيتجنب حتى لمس قطة جميلة أو كلب وديع .
الأمر مختلف تماماً بالنسبة لكيفين ريتشاردسون، الجنوب إفريقي، الذي يعشق الحياة مع الأسود ومراقبة سلوكاتها، بعد ابتكاره وسائله الخاصة لمشاركتها في اللعب، والنوم، وحتى السباحة، وعندما تراقب تفاعل الأسود معه، تقف مشدوهاً وأنت تراها تلاعبه كما لو كانت قططاً أليفة، إلا أن العلاقة بين الإنسان والحيوانات المفترسة، مهما بلغت حميميتها، لطالما انتهت بنهايات مأساوية .
يؤكد ريتشاردسون أنه مدرك للأخطار التي ربما يتعرض لها، ويعترض عليه كثير من علماء سلوك الحيوان، الذين يؤمنون بأنه لايمكن توقع سلوك الحيوان ولا الثقة به، مهما بلغت درجة صداقتنا به، ومهما كان لطف مظهره .
وأول ما تعرض له ريتشاردسون كان في 2001، عندما ضربه أسد يدعى (Tsavo) بمخلبه الضخم في أنفه، ومنذ عمله امتلأت أذرعه وسيقانه بالندبات . زوجته ماندي تعلق على عمل زوجها قائلة: "لا أشعر بالقلق أو الخوف حيال ذلك، فهذا عمله الذي امتهنه منذ أن عرفته، وأحترم تحمسه له" . قضت ماندي 13 عاماً برفقة زوجها في عمله، وتتولى مسؤولية علاقات العمل لديه .
ولد ريتشاردسون في جوهانسبرغ في جنوب إفريقيا في 1974، وعند بلوغه الثالثة أو الرابعة، ساعده والده في الاعتناء بطائر صغير سقط من عشه، وأعجبته التجربة، فبدأ تربية أعداد كبيرة من الطيور، حتى بلغ السابعة عندها نال لقب "صبي الطيور في أورانج جروف" (من ضواحي جوهانسبرغ)، وبات أهل الضاحية وأجوارها يحضرون إليه الحمام والحباك ليضمها إلى مجموعته .
وعند بلوغه السادسة عشرة، بدأ ممارسة عمله خبيراً في علم الحيوان، الذي درسه في الجامعة لعامين .
فقد ريتشاردسون والده في مرحلة المراهقة المبكرة، وفقد معه اهتمامه بالطيور، وفي الثالثة والعشرين حصل على وظيفة في ليون بارك في جوهانسبرغ، أهلته لها شهادته الجامعية في التشريح وعلم وظائف الأعضاء، لم يكن اهتمامه بالوظيفة كبيراً، لكنه أحب شبلين هما "تاو"، و"نابليون"، وكانا لم يتجاوزا آنذاك الستة أشهر، ولم يكن يعلم سبب حبه لهما .
لم يشعر يوماً بالخوف من وجوده مع الأسدين الصغيرين، واعتاد قضاء معظم وقته معهما يرقب مراحل نموهما إلى أن نضجا وأصبحا يافعين، واكتشف مثل غيره من العاملين في الحديقة، أنه يتمتع بحاسة سادسة تجاه فصيلة القطط، فتمكن من التواصل معها، ويطلب إليها أداء بعض الحركات برغبتها، ومن دون استخدامه عصا، وتعلم أن الأسود ذات طابع اجتماعي يفوق التصور، وأنه إذا نال رضاها تمتع بالأمان والحب أيضاً .
لمع نجم ريتشاردسون وذاع صيته في ليون بارك، وأثار سلوكه الغريب دهشة الزوار، وبدأ التفكير في مغادرة ليون بارك بحثاً عن مكان فسيح حيث يستطيع فك أسر أسوده وإطلاق العنان لها .
وجد ريتشاردسون ضالته في منتجع ويلجيداتشت جيم، وفي 2013، وبمساعدة متبرعين، أسس محمية الحياة البرية التي تحمل اسمه، على قطعة أرض قاربت مساحتها 1200 هكتاراً من المراعي الخضراء، وتضم المحمية ضباعاً وفهوداً سوداء، وكانت الفرصة الأولى التي سنحت له لإدارة مكان بهذا الاتساع بالطريقة التي تحلو له .
تضم المحمية 13 حظيرة، تبلغ مساحة الواحدة منها فداناً، حيث يؤوي فيها ريتشاردسون 26 أسداً من أعمار مختلفة، كان أغلبها يعيش في ليون بارك .
ومن بين أسوده انثيان، ميج وآمي، عرفهما منذ 11 عاماً في ليون بارك، وبيعتا بعد أن غادره إلى أحد مربي الأسود، لكنه استطاع استعادتهما .
ومن بين أسوده، "Thor" الذي قضى في 2013 بصعقة برق عندما هبت عاصفة عاتية قبيل موسم الأمطار في جنوب إفريقيا، صور ثور عدة أفلام وثائقية، أهمها "وايت ليون" أو الأسد الأبيض .
لم تخلُ علاقة ريتشاردسون بالأسد "Thor" من المشكلات، وفي أحد الأفلام الذي سجل منذ خمس سنوات، حث ريتشاردسون الأسد على مهاجمة أسد آخر، فقفز Thor بكل ثقله الذي تجاوز 300 كلغم ونهش ذراع ريتشاردسون بمخلبيه .
وكان ذلك درساً لريتشاردسون، إذ أيقن أن الأسود ليست مجرد حيوانات للأداء في السيرك فقط، وأنه من غير الحكمة استغلال الصداقة .
وبعد هذه الحادثة، شعر ريتشاردسون بالخجل، ومرت ثلاث سنوات قبل أن يغفر "Thor" له .
يقول ريتشاردسون " لم أبك على شيء كما بكيت على موته، كان مستقلاً عن الآخرين، ومتباهياً" .
اعتاد ريتشاردسون العيش مع فصيلة القطط الكبيرة معتمداً على بديهته لا على القواعد الثابتة، فلم يخش يوماً النوم إلى جانب الأسود، ولا إطعامها . وعمل مع الفهود والضباع، التي يفضلها عن باقي أفراد الفصيلة، وفي العموم، لم تكن علاقته بالحيوانات حديثة أو وقتية، فهو يعرف الأسود التي يعمل معها منذ طفولتها، وما تزال تربطه بالأسدين تاو ونابليون علاقة قوية .
كما تربطه علاقة وطيدة بالأسد العبقري "بانثيرا" فندت الأساطير التي نسجت حول المخاوف من تربية الأسود، ويرى ريتشاردسون أن الأسود والحيوانات عموماً كائنات اجتماعية ذات شخصيات متفردة، ولديها أحاسيس ومشاعر، ويظهر تفاعله معها، الذي يميزه احترام متبادل، أنه يمكن للأنواع المختلفة التعايش معاً، بيد أن ذلك لايعني خلو الأمر من الأخطار، وكثيرة تلك التي تعرض لها ريتشاردسون طوال عمله مع الأسود .
ويرفض ريتشاردسون الفكرة التقليدية التي ترى أن الأسود حيوانات للترويض وفرض السيطرة فقط، ويفضل إقامة علاقة معها تستند إلى الحب والاحترام، فالأسد من وجهة نظره، ليس شيئا يمتلك، لكنه كائن حساس، لذا فمن المهم بناء رابط قوي معه مثل روابط الصداقة مع الكائنات الأخرى .
وأدرك ريتشاردسون الأخطار التي تحيط بتربية الأسود، عندما هجم عليه ذكر في الرابعة من عمره وطرحه أرضاً، وعضه، ثم تركه وسار بعيداً، منذ ذلك الحين، قرر استعمال حدسه وغريزته ويبقى بعيداً إذا أحس بخطر محدق، وفي حادثة ثانية، كانت الأسود في حالة مزاجية جيدة، فأقدم أسدان وزن كل منهما تجاوز 180 كلغم، أقدما على طرحه أرضاً، بينما جثمت أنثى أسد فوقه، واستطاع النهوض، فإذا بأسد رابع يضربه في كتفه بقوة .
وكثيراً ما تعرض ريتشاردسون للعض والخدش، فمن طبيعة الأسود خدش بعضها بعضاً، ولا ترى ريتشاردسون استثناءً .

استثناء وليس قاعدة

لم تثن كل هذه الأخطار ريتشاردسون عن العيش مع الحيوانات، وقال في مقابلة تلفزيونية "لاشك أدرك الأخطار التي أعيشها، وحسبت السلبيات والإيجابيات فرجحت كفة الأخيرة" . وعلى الرغم من ذلك ينصح بعدم اتباع خطاه، قائلاً: إن الناس لايدركون العلاقة القوية والنادرة التي تربطه بأسوده، فلديه قاعدة لايحيد عنها، وهي أنه لا يتعامل إلا مع الأسود التي يعرفها منذ ولادتها، ويفرق بين عمله وبين عمل عالم الحيوان المحترف، الذي يتعامل فقط مع حيوانات مفترسة لم يربها بنفسه، كما يرى أنه يختلف عن مدرب الأسود الذي يجبر أسوده على عملها في السيرك يومياً .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"