ودرو ويلسون وهاري ترومان

ودرو ويلسون وهاري ترومان

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلفة هذا الكتاب هي الباحثة الأميركية آن ر. بيرس التي نالت شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة شيكاغو. وهي تقدم هنا صورة شخصية وعامة عن حياة وأعمال اثنين من كبار رؤساء أميركا في القرن العشرين: ودرو ويلسون، وهاري ترومان.

من المعلوم أن الأول اشتهر بأنه أول رئيس أميركي أو حتى غربي ينادي بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وهذا ما يشكل أحد المبادئ الأربعة عشر لعقيدته السياسية. وكان هذا المبدأ موجها ضد الإمبراطوريات الاستعمارية السابقة كالإمبراطورية الفرنسية والإمبراطورية الانكليزية. وقد رحبت به الشعوب المستعمرة بفتح الميم كثيرا لأنه شجعها على النضال من أجل الاستقلال وأعطاها الأمل في تحقيقه. ومن بين هذه الشعوب نذكر الشعوب العربية التي كانت رازحة تحت الاستعمار بمغربها ومشرقها. ولذا صفقت لمبدأ ويلسون التحريري والإنساني كثيرا. ولكن ويلسون اتبع أيضا سياسة توسعية في بعض مناطق العالم، وبالتالي فقد مزج بين الرسالة التحررية والسلطة القمعية في آن معاً.

لكن من هو ودرو ويلسون؟ على هذا السؤال تجيب المؤلفة قائلة: إنه الرئيس الثامن والعشرون للولايات المتحدة، وقد ولد عام 1856 ومات عام 1924 عن عمر يناهز الثامنة والستين. وكان من أتباع المنهج السلمي في السياسة والعلاقات الدولية على عكس بوش وصقور واشنطن حاليا.

وقد استطاع أن يبقي الولايات المتحدة بمعزل عن الحرب العالمية الأولى طيلة السنوات الثلاث الأولى للحرب. ولكنه اضطر مكرها إلى دخول هذه الحرب المدمرة. وقد دخلها إلى جانب الحلفاء ضد ألمانيا وكان ذلك كافيا لقلب موازين القوى وتحقيق الانتصار لفرنسا وانجلترا.

بل إن القوات الأميركية هي التي حررت فرنسا من براثن الاحتلال الألماني. وسوف تحررها مرة أخرى أثناء الحرب العالمية الثانية. ولا يزال الفرنسيون يتذكرون ذلك حتى الآن ويشعرون بالجميل تجاه الأميركان. وهذا ما عبّر عنه ساركوزي مؤخرا.

وفي البداية كان ودرو ويلسون أستاذا جامعيا ناجحا. فقد ناقش أطروحة الدكتوراه وهو في الثلاثين من عمره. وقد أصبحت مرجعا كلاسيكيا في مجال العلوم السياسية، وبالتالي فالرجل مثقف من الدرجة الأولى بل ومطلع على فلسفة كبير مفكري ألمانيا وأوروبا الحديثة: إيمانويل كانط. وهو كانطي مثالي مقتنع تماما بفلسفة التنوير والعدالة والسلام. ثم أصبح أستاذا في جامعة برنستون الشهيرة وبعدئذ ارتفع في سلم المراتب حتى أصبح رئيسا للجامعة.

ثم تردف المؤلفة قائلة: ولكن كل هذه المناصب الجامعية على أهميتها لم تكن لتشبع طموحاته. فقد كان يريد تغيير الواقع ولا تفسيره فقط على حد تعبير كارل ماركس. تقول العبارة الشهيرة: منذ آلاف السنين والفلاسفة مشغولين بتفسير العالم وقد آن الأوان لتغييره ! فذهبت مثلا. ولتغيير الأوضاع في أميركا لم يجد الشاب الصاعد ودرو ويلسون طريقا آخر غير الانخراط في السياسة.

وهكذا كان. وانتخبوه نائبا بسرعة. وفي عام 1912 وبعد أن لاحظوا ألمعيته وقوة شخصيته قرر قادة الحزب الجمهوري ترشيحه للرئاسة العظمى. وكان أن نجح من أول ضربة. ثم أعيد انتخابه مرة أخرى عام 1916، وهكذا بقي في الرئاسة لمدة ولايتين متتاليتين، أي ثماني سنوات.

وبعد الحرب العالمية الأولى تأسست عصبة الأمم بناء على طلبه. وهي المقدمة التمهيدية للأمم المتحدة كما سيحصل لاحقا. وكان يريد من خلال تأسيسها تطبيق مبادئ كانط الهادفة إلى تحقيق السلام الدائم بين الأمم وقال ويلسون لقادة العالم: لقد آن الأوان للانتقال من مرحلة الهمجية إلى مرحلة الحضارة.

فمنذ الآن فصاعدا ينبغي أن نجتمع في عصبة الأمم جميعا لكي نحل مشاكلنا وصراعاتنا بشكل سلمي لا حربي كما كان يحل في السابق. وفي 8 يناير من عام 1918 ألقى الرئيس ويلسون خطابا هاما في مجلس الشيوخ الأمريكي حدد فيه النقاط الأربع عشرة التي اشتهرت باسمه وهي نقاط أو مبادئ ينبغي اتباعها من أجل تحقيق السلام على الأرض والخروج من مرحلة الصراعات والحروب الإقليمية أو العالمية.

وفي هذا الخطاب أعلن الرئيس الأميركي تأسيس عصبة الأمم ورفع الشعار التالي: إن تحقيق السلام ضروري على وجع الأرض من أجل تحقيق الديمقراطية. كما ورفع ويلسون شعار: حق الشعوب في تقرير مصيرها كما ذكرنا آنفا.

وأزعج بذلك الإمبراطوريات الاستعمارية من أمثال انجلترا وفرنسا. ولكن ويلسون لم يكن دائما مثاليا كما قلنا ولم يخلص لرسالة الحرية دائما. وإنما غلّب مصالح بلاده التوسعية والاستغلالية في أحيان عديدة على كل الاعتبارات الأخرى.

أما عن الرئيس هاري ترومان فتقول المؤلفة ما معناه: إنه الرئيس الثالث والثلاثون للولايات المتحدة الأميركية. وقد ولد عام 1884 ومات عام 1972 عن عمر طويل يناهز الثامنة والثمانين. وقد استلم قيادة أميركا مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية أي عام 1945. وظل في الرئاسة لولايتين متتاليتين حتى عام 1953.

وتميزت رئاسة ترومان بعدة أحداث جسام، نذكر من بينها بل وفي طليعتها إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناغازاكي. وكانت هذه هي أول مرة في التاريخ وربما آخر مرة يستخدم فيها السلاح الذري الفتاك.

ولا يزال اسم ترومان مرتبطا بهذه الجريمة الخطيرة التي لم تكن مبررة على الإطلاق لأن اليابان كانت قد استسلمت أو في طريقها للاستسلام. ولكن شهوة الانتقام من ضربة بيرل هاربر حيث دمر الطيران الياباني الأسطول الأمريكي وقتل آلاف ضباطه وجنوده تغلبت لدى القائد الأميركي على كل شيء. ولهذا السبب يشبهون بوش به حاليا. بل وإن بوش يتمنى أن يدخل التاريخ كهاري ترومان.

فقد أصبح قدوته التي تحتذى، وهو يريد أن ينتقم لضربة 11 سبتمبر حتى آخر رمق. من هنا أوجه التشابه بين الرجلين. وقد اشتغل هاري ترومان في شبابه الأول في عدة مكاتب إدارية، كما ومارس مهنة الفلاحة والزراعة في مزرعة العائلة. وكان آخر رئيس أمريكي غير حاصل على شهادات جامعية عليا، وبالتالي فهو بشكل من الأشكال شخص عصامي صنع نفسه بنفسه.

وقد استطاع بجده ومثابرته أن يصبح نائب رئيس أميركا عام 1944 وفي عز الحرب العالمية الثانية. وكان رئيسها آنذاك شخص كبير وهام جدا بين الرؤساء: إنه فرانكلين روزفيلت الذي يعتبر من كبار الرؤساء في تاريخ أمريكا بالإضافة إلى جورج واشنطن، وتوماس جيفرسون، وويلسون، وكندي، وبعض الآخرين.

ولكن روزفيلت لم يكن يحترم نائبه ترومان كثيرا ولم يكن يعتقد بأنه يملك شخصية رجل الدولة. ولذلك فلم يستشره كثيرا ولم يشركه في اتخاذ القرارات الصعبة، وإنما تركه يشتغل كموظف عادي في المكتب. ولكن بعد موته بسبب المرض عام 1945 صعد ترومان بشكل اوتوماتيكي إلى سدة الرئاسة العليا. وهنا كشف عن شخصية قوية ما كان أحد يتوقعها فيه.

فقد أمر بقصف طوكيو بقنابل النابالم مما أدى إلى استسلام اليابان عام 1945. وكانت حصيلة القصف ثلاثة وثمانين ألف قتيل مدني وعسكري. وعلى إثرها أخذت اليابان تفكر جديا بالاستسلام. ثم بعد ذلك بشهرين أو ثلاثة أمر بقصف هيروشيما وناغازاكي بالقنبلة الذرية. وكشف بذلك عن شخصية مرعبة لا تتردد في اتخاذ أخطر القرارات وأكثرها مصيرية.

وقد أذهل الجميع بذلك لأنهم كانوا يعتقدون بأنه ذو شخصية ضعيفة قبل أن يتسلم منصب الرئاسة. وهكذا فاجأ الجميع كما قلنا. ولو أن روزفيلت بقي حيا لما صدّق ما رأت عيناه. وتختتم المؤلفة كلامها قائلة: لقد كشف هذان الرئيسان اللذان حكما أمريكا في بدايات القرن العشرين ومنتصفه عن شخصيتين متضادتين. شخصية رجل السلام وشخصية رجل الحرب. ولا يزال تاريخ أمريكا يتأرجح بين هذين النوعين من الرؤساء حتى الآن. انظر التضاد بين كارتر وريغان مثلا.

*الكتاب:ودرو ويلسون وهاري ترومان الرسالة والسلطة في السياسة الخارجية الأميركية

*الناشر:ترانس اكشن بوبليشر - نيويورك 2007

*الصفحات: 340 صفحة من القطع الكبير

Woodrow Wilson and Harry Truman : mission and power in american foreign policy

Anne R. Pierce

Transaction Publishers New York 2007

P.340

Email