الإعلام وتحديات تحشيد الغوغاء

آخر ما تريده الدولة الدينية المنغلقة هو اعلام حر.
محاولات اثارة الغرائز والاحقاد البشرية لم يعد أحد يتقبلها
دول العالم الثالث أحد المواقع الرئيسة لسيادة أجواء الغوغاء

في وقت يسعى الإعلام لأن يكون أداة للتغيير والنهوض بالمجتمعات نحو الأفضل، تنبري جهات سياسية بين آونة وأخرى على تحريض الغوغاء بدعم من جهات سياسية متخندقة، لتقف بوجهه، وكأنها ترى فيه أنه يحد من سطوتها ونفوذها في الهيمنة والتسلط على رقاب الرأي العام، ولهذا فهي ما إن وجدت أن مصالحها تتعرض للمس أو الكشف عن مساوئها، حتى تكشر عن أنيابها، وهي تحمل سكاكينها لكي تغرسها في خاصرة حملة الأقلام ومن يوجهون الكلمة المسؤولة المعبرة عن الوعي الاجتماعي، ومن يريدون الانتقال ببني البشر الى الحالة الأفضل.

وتعد دول العالم الثالث، وبخاصة ذات التوجهات الدينية المنغلقة، أحد المواقع الرئيسة لسيادة أجواء الغوغاء وتتخذ من متاريسها وسيلة للهيمنة ضد كل من يخالفها الرؤية، أو يفضح توجهاتها الساعية لأن يبقى الرأي العام يعيش حالة خوف ورعب جراء سطوتها، ولكي لا يمتلك القدرة في التعبير عما يراه الأفضل للسير بالمجتمعات الى ما تنشده من معالم حياة أكثر تطورا.

ويبقى الاعلام ووسائله وادواته قنوات للتغيير، وان يلعب الدور الرئيس في غرس قيم الوعي والابتكار ورفض مناهج الانغلاق والتقوقع، للسير بمجتمعات دولنا وشعوبنا الى ما يرتقي بتطلعاتها الى حيث الأماني المشروعة والامال الحالمة بفجر جديد يعيد لها هيبتها ويدلها على الطريق الذي يوصلها الى حيث ما تحلم به من أمنيات وما تريد التعبير عنه من طموحات، إنطلاقا من حقها في الحصول على المعلومة وفي كشف أغوار الحياة وسبر مجاهيلها، بهدف الاستفادة من كل الإمكانات المتاحة لأغراض التنمية والنهوض الاقتصادي والمجتمعي، بما تمتلكه من فرص العمل المتاحة التي ينبغي ان تكون وسيلة للانتقال بأحوال البشر الى الأفضل، والى ان تغادر أجواء الفقر والتخلف والانفتاح على العالم الجديد الذي تحول الى قرية واحدة، يكون بمقدور أي كان أن يطلع على توجهات الاعلام بمختلف مضامينه، وعبر كل الوسائل المتاحة للتعبير عن الرأي، ويكون ساحة رحبة لانتقال الأفكار، بين بني البشر، بعد تعدد وسائل الاتصال الجماهيري ووسائل التواصل الاجتماعي التي غزت عالمنا، ولم يكن بمقدور الرأي العام من مختلف توجهاته الا ان يدخل في مشروع التواصل الإنساني، حيث يجد فيه الكثيرون ضالتهم في توسيع نطاق اتصالهم مع المجتمعات البشرية، والاطلاع على التطور الإنساني في كل جوانبه.

لكن تحديات التحشيد من خلال الغوغاء في المجتمعات المنغلقة والمتخلفة هي العقبة التي تحول دون ان يكون بمقدور الاعلام ان يوصل رسالته الإنسانية الى حيث الجموع البشرية، التي تبحث عن كل ما هو جديد وما يحقق تطلعاتها في أن تجد في هذا التواصل رغبتها وطموحها للوصول الى الحالة الأفضل التي ترتقي بأبناء البشر الى أن يجدوا فيها ضالتهم، في تحقيق غاياتهم واهدافهم وطموحاتهم المشروعة، أما جمهور الغوغاء فهو الوحيد الذي تستغله قوى الظلام، لكي يبقى يحمل أسواطه بوجه حملة الكلمة، ويكون بمقدورهم وأدها متى شاءوا، دون ان يدركوا ان العالم انفتح على مصراعيه، وان محاولات اثارة الغرائز والاحقاد البشرية لم يعد من يتقبلها وهي تواجه بالسخط والاستنكار من قطاعات اجتماعية مختلفة، لانهم يجدون في حرية التعبير ما يرتقي بتطلعاتهم الى حيث السعادة الإنسانية، ويرفع عنهم غائلة الانغلاق والجهل والتخلف ويودعوا زمنها الاغبر الى غير رجعة.